Tuesday, June 19, 2007

أغنية الحافَّة

وَضَعَ قدمه على النقطة الأخيرة للحافَّة وراح يغنّي
لنسمة العدم الأولى التي ستمرُّ على جسده
وللفضاء الذي كان فارغاً
وسيمتلئ به الآن.

وَطَأَ على النقطة الأخيرة وراح يغنّي:
في الفجر تطلع الشمس وفي المغيب تغيب
والسنةُ فصولٌ أربعة
فيا للحياة الجميلة،
النهارُ ضوءٌ إنْ لم تكن غيوم
والليل عتمة
فيا للحياة الجميلة،
وللناس بيوت
والساكنون فيها مهما مشوا
لا يصلون إلى الباب
فيا للبيوت الجميلة.

وَضَعَ قدمه على الحافَّة وغنّى لمِزق ثوبه
التي لمح فيها ذات يوم ابتسامةً للفجر
وثغراً كاملاً للغروب
ولحياته التي رآها مثل حريق
شبَّ فجأةً في نزهة.

وَضَعَ قدمه على النقطة الأخيرة للحافَّة وراح يغنّي
للخطوة التالية.

للشاعر وديع سعادة من ديوانه:
تركيبٌ آخر لحياة وديع سعادة

Saturday, June 16, 2007

هذيان


ليست المسألة في كيف تبدأ يومك، بل كيف تنهيه أو كيف هو ينتهي بك ؟
لأن البدايات تبدو جميلة في غالبها، مغرية، تدعو لامتطاء صهوة الحلم، تجري بعيداً موغلاً في التداعيات...
البدايات تمنحك جناحين من ذهب تحلق بهما عاليا في سماء غريبة عنك، وتعطي لعينيك بريقا غاب عنهما طويلاً، ناهيك عن ابتسامات توزعها بإسراف، هنا وهناك..
البدايات المخادعة، تمنحك نشاطاً لم تألفه منذ أن سكنتك الكآبة، وأيضاً تعطيك الرضى والحب لأشياء كانت تثير في نفسك مشاعر الكره والغثيان وتشعل في دمك حريقاً ونزق...
كم كان هذا الصباح جميلاً، صحوت باكراً دونما مبرر، فاليوم عطلتي ولن أذهب للعمل
ليست قضية صعبة وإن كانت تبدو غريبة: أيام العمل أتأخر يوميا وفي يوم العطلة أصحو باكراً
أكره عملي، هذه هي..
نهضت ووعدي لنفسي ما زال على شفاهي منذ الليلة السابقة، قررنا سوية أنا وهي أن نعلي من شأن العقل وأن نجعله حاضراً أبداً، في الحقيقة تم إهماله طويلا وعلاه الغبار.
أمر مضحك نوعا ما أليس كذلك؟ ماذا لو لم يعمل؟ وهل كان يعمل سابقاً؟ أم أنه طوال عمره على الرف!
البداية كانت مبشرة بأية حال ...

تفتتحين نهارك بفيلم جميل صادفته في التلفزيون وترين في هذا فاتحة خير، تواصلين بعض التمارين الرياضية التي انقطعت عنها فترة وجيزة وتنجزين ما ترضين عنه، حتى يحين موعد الغداء وذهنك ما زال حاضراً بالرغم من مغافلتك إياه في التلذذ ببعض الحلويات في مواربة منك لم تستحسنيها، وتكملين، تسريح شعرك، فاليوم هو موعد اللقاء المرتقب بعد تلهف دام أكثر من أسبوع بين انتظار واعتذار... مقبول طبعاً.
بعد المنتصف بقليل يبدأ السقوط:
يبدأ القلق، لمْ يظهر، لم يرسل رسالة، تروحين، تجيئين وأفكارك تتأرجح معك.
هل كان عقلك حاضرا في تلك اللحظة؟ لا، مطلقا!.
مهملة مرة أخرى، وحيدة كالعادة، ترغبين في الاتصال به لتصرخي قائلة: لا تأت، ولكن لا تعدني قبل ذلك.
فتفعلين ولكنك لم تصرخي ولم يصدر عنك سوى صوت بكاؤك عابراً البلاد...
وكلمة أسف خافتة لا تفصح عما تتأسفين، و لا هو يدرك المعنى...
تنتهين، وينتهي يومك بليل ينذر بالألم، وبمشهد لا يفارق عينيك: دمٌ وسكين.

Friday, June 01, 2007

عَلى وشَكِ سَعادة


في الليلة التي أكملتُ فيها عامي الثالث والثلاثين، كنتُ أودُّ الحديثَ عن الكآبةِ التي انتابتني، عن الألم الذي أحياه، عن الأحلام التي تسرَّبت من بين أصابعي هكذا، هكذا، بكل بساطة.
عن حياتي، وأيامي التي هي أشبه بطرقات فأسٍ على رأسي، كل الأيام...
عن سُعال أبي الذي ينتظر موته في أي لحظة، وعن حماقةِ أمي وملاحقتها لي بلسانها الَّلاذع، وعن إحساسها المفقود بأي ألم تسببه لي كلماتها الجارحة.
عن وزني، عن ثقتي المفقودة بنفسي، وعن القطار الذي-ربما- فاتني أو- ربما- أنا التي فوَّته، وعما أحسُّه من وحدةٍ وحصار.
عن أوقاتي المقيَّدة بأوقاتِ الآخرين، وعن الانتظار الذي أصبحَ صنعتي، والحرفةُ التي أبرعُ فيها كما لم يفعل أحدٌ يوماً.
عن طموحي المكسور، ورغبتي في مترٍ مربع واحد يكون لي أنا-ربما يكون بديلاً عن حضن- بعيداً عن أي ضجيج أو نظرات ترنو إلي شزراً.
عن الهواء الذي يتناقص، عن اختناقي، واحتراق رئتي بالدُّخان الذي أنفثهُ بوحشيةٍ.
عن ثلاثة وثلاثين عاماً ضاعوا عبثاً، في سذاجات لا تنتهي، عن الصَّليب، وإكليلِ الشَّوك والخلِّ الذي ارتويه على عطشٍ.
عن يسوع الذي تركني، عن دموعي التي أعجب لها كيف ما زالت تنبع من المآقي.
أما حان موعد رحيلي أيها المصلوب؟ ألم يكن لكَ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً عندما صعدتَ إلى السَّماء؟

خذني إليكَ إذنْ، لا يَهم إلى يمينكَ أو إلى شِمالك، المهم خلِّصني من عذاباتِ الأرض كلِّها...
كان هذا بعض مما كنت أودُّ الحديث عنه في تلك الليلة، إلا أن ثمة انحرافاتٌ حصلت...

دوماً يأتي لينتشلني من العدم، ينقذني من تعذيبي لنفسي، ومن صراعٍ بين العقلِ والعاطفة.
هذا الصِّراعُ الدَّموي الذي ينتهي دوماً بسقوطِ العقلِ في يأسٍ وحَيرةٍ، ويستسلم أمامَ اندفاعِ عاطفتي المهووسة.
حقاً إني أشفق لحالك يا عقلي الصغير!


كنتُ قد تحدثتُ مع نفسيَ الأخرى واتَّفقنا آخرَ مرةٍ أن نكفَّ عن اقتحامِ أوقاتهِ، فهذا لا يجوز ويجب التَّروي دوماً، فأنا بالرَّغم من أني أشتاقُ للحديثِ معهُ وتغمرني سعادةٌ لا توصف بسماع صوته الرَّقيق، إلا أن الحزنَ رفيقٌ ملازمٌ لهذه السعادة.
فالحديث لا بد له أن ينتهي في لحظة ما، ضرورية...
لم ألتزم بالاتفاق وفي ليلةٍ، فجأةً وبغيرِ واردْ، أمسكتُ بالهاتف، غير أنه لم يُجبْ، كررتُ المحاولة مراراً ولم يستجب، إلا أني استمريت في المحاولة حتى التَّعب...
نمت وعلى مخدتي انهمرت دموع، دموع حزنٍ، لومٍ، أسىً وأسف.
غفوتُ وفي رأسي يصرخُ صوتٌ يقول: من أنتِ، لكي تكوني فكرة من أفكارهِ؟
وصوتٌ آخر يجيب: من هوَ، لكي يفعل بي ما يفعل؟


في اليوم التالي أي في يوم ميلادي، وبينما أنا أشغل نفسي بأمور الحياة اليومية كي أسْلو عن التَّفكير بهِ، وإذ هوَ يُناديني!
نعم، أنا على وشك أن أقول بأني سعيدة!
أسرقُ من السَّعادةِ بعض فُقاعاتٍ، تنفجرُ عندما يبدأ الشَّوق بإعمالِ أشواكه في قلبي، والشوق لا ينتظر طويلاً...